الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
وقوله: (1) ذكر المؤلف رحمه الله في إثبات صفتي السمع والبصر آيات سبعاً: الآية الأولى: قوله تعالى: * {قد}: للتحقيق. والمجادلة: هي التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها حين ظاهر منها. والظهار: أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي. أو كلمة نحوها. وكان الظهار في الجاهلية طلاقاً بائناً، فجاءت تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبين له كيف يطلقها هذا الرجل ذلك الطلاق البائن وهي أم أولاده، وكانت تحاور النبي صلى الله عليه وسلم ، أي: تراجعه الكلام فأفتاها الله عز وجل بما أفتاها به في الآيات المذكورة. * والشاهد من هذه الآيات قوله: قالت عائشة رضي الله عنها: والسمع المضاف إلى الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: 1- سمع يتعلق بالمسموعات، فيكون معناه إدراك الصوت. 2- وسمع بمعنى الاستجابة، فيكون معناه أن الله يجيب من دعاه، لأن الدعاء صوت ينطلق من الداعي، وسمع الله دعاءه، يعني: استجاب دعاءه، وليس المراد سمعه مجرد سماع فقط، لأن هذا لا فائدة منه، بل الفائدة أن يستجيب الله الدعاء. فالسمع الذي بمعنى إدراك الصوت ثلاثة أقسام: أحدها: ما يقصد به التأييد. والثاني: ما يقصد به التهديد. والثالث: ما يقصد به بيان إحاطة الله سبحانه وتعالى. 1- أما ما يقصد به التهديد، فكقوله تعالى: 2- وأما ما يقصد به التأييد، فكقوله تعالى لموسى وهارون: 3- وأما ما يقصد به بيان الإحاطة، فمثل هذه الآية، وهي: (1) الآية الثانية: قوله: * {لقد}: جملة مؤكدة باللام، و(قد)، والقسم المقدر، تقديره: والله، فهي مؤكدة بثلاث مؤكدات. والذين قالوا: وسبب قولهم هذا: أنه لما نزل قوله تعالى: (2) الآية الثالثة: قوله: *{أم} في مثل هذا التركيب، يقولون: إنها متضمنة معنى (بل)، والهمزة، يعني: بل أيحسبون، ففيها إضراب وفيها استفهام، أي: بل أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم. * والسر: ما يسره الإنسان إلى صاحبه. والنجوى: ما يناجي به صاحبه ويخاطبه، فهو أعلى من السر. والنداء: ما يرفع به صوته لصاحبه. فها هنا ثلاثة أشياء: سر ومناجاة ونداء. فمثلاً: إذا كان شخص إلى جانب: وساررته، أي: كلمته بكلام لا يسمعه غيره، نسمي هذا مسارة. وإذا كان الحديث بين القوم يسمعونه كلهم ويتجاذبونه، سمي مناجاة وأما المناداة، فتكون من بعيد لبعيد. فهؤلاء يسرون ما يقولونه من المعاصي، ويتناجون بها، فيقول الله عز وجل مهدداً إياهم: * و{بلى}: حرف إيجاب، يعني: بلى نسمع، وزيادة على ذلك:
وقوله: (1) الآية الرابعة: قوله: * الخطاب لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام، يقول الله سبحانه وتعالى لهما: لأنه إما أن يساء إليهما بالقول أو بالفعل، فإن كان بالقول، فهو مسموع عند الله، وإن كان بالفعل، فهو مرئي عند الله.
وقوله: (1) الآية الخامسة: قوله: * الضمير في وفي هذه الآية: إثبات صفة الرية لله عز وجل. والرؤية المضافة إلى الله لها معنيان. المعنى الأول: العلم. المعنى الثاني: رؤية المبصرات، يعني: إدراكها بالبصر. فمن الأول: قوله تعالى عن القيامة: *وأما قوله:
(1) الآية السادسة: قوله: * وقبل هذه الآية قوله: * والرؤية هنا رؤية البصر، لأن قوله: * ومعنى الآية: أن الله تعالى يراه حين يقوم للصلاة وحده وحين يتقلب في الصلاة مع الساجدين في صلاة الجماعة. * وفي الآية هنا ضمير الفصل {هو}، من فوائده الحصر، فهل الحصر هنا حقيقي، بمعنى: أنه حصر لا يوجد شيء من المحصور في غير المحصور فيه، أو هو إضافي؟ الجواب: هو إضافي من وجه حقيقي من وجه، لأن المراد بـ{السميع} هنا: ذو السمع الكامل المدرك لكل مسموع، وهذا هو الخاص بالله عز وجل، والحصر بهذا الاعتبار حقيقي، أما مطلق السمع، فقد يكون من الإنسان، كما في قوله تعالى: وفي هذه الآية الجمع بين السمع والرؤية.
(1) الآية السابعة: قوله: * والذي قبل هذه الآية: * في هذه الآية يقول: قال ابن كثير وغيره: قال مجاهد: هذا وعيد ـ يعني من الله تعالى ـ للمخالفين أوامره، بأن أعمالهم ستعرض عليه وعلى الرسول والمؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة، وقد يظهر ذلك للناس في الدنيا. والرؤية هنا شاملة للعلمية والبصرية. ففي الآية: إثبات الرؤية بمعنييها: الرؤية العلمية، والرؤية البصرية. وخلاصة ما سبق من صفتي السمع والرؤية: أن السمع ينقسم إلى قسمين: 1- سمع بمعنى الاستجابة. 2- وسمع بمعنى إدراك الصوت. وأن إدراك الصوت ثلاثة أقسام. وكذلك الرؤية تنقسم إلى قسمين: 1- رؤية بمعنى العلم. 2- ورؤية بمعنى إدراك المبصرات. وكل ذلك ثابت لله عز وجل. والرؤية التي بمعنى إدراك المبصرات ثلاثة أقسام: 1- قسم يقصد به النصر والتأييد، كقوله: 2- وقسم يقصد به الإحاطة والعلم، مثل قوله: 3- وقسم يقصد به التهديد، مثل قوله: ما نستفيده من الناحية المسلكية في الإيمان بصفتي السمع والرؤية: - أما الرؤية، فنستفيد من الإيمان بها الخوف والرجاء: الخوف عند المعصية، لأن الله يرانا. والرجاء عند الطاعة، لأن الله يرانا. ولا شك أنه سيثيبنا على هذا، فتتقوى عزائمنا بطاعة الله، وتضعف إرادتنا لمعصيته. - وأما السمع، فالأمر فيه ظاهر، لأن الإنسان إذا آمن بسمع الله، استلزم إيمانه كمال مراقبة الله تعالى فيما يقول خوفاً ورجاءً: خوفاً، فلا يقول ما يسمع الله تعالى منه من السوء، ورجاء، فيقول الكلام الذي يرضي الله عز وجل.
وقوله: الآية الأولى: في المحال ، وهي قوله : * أي : شديد الأخذ بالعقوبة. وقيل : إن المحال بمعنى المكر ؛ أي : شديد المكر ، وكأنه على هذا التفسير مأخوذ من الحيلة وهي أن يتخيل بخصمه حتى يتوقع به . وهذا المعنى ظاهر صنيع المؤلف رحمه الله ؛ لأنه ذكرها في سياق آيات المكر والكيد. والمكر ؛ قال العلماء في تفسيره: إنه التوصل بالأسباب الخفية إلى الإيقاع بالخصم ؛ يعني : أن تفعل أسباباً خفية فتوقع بخصمك وهو لا يحص ولا يدري، ولكنها بالنسبة لك معلومة مدبرة. والمكر يكون في موضع مدحاً ويكون في ذماً: فإن كان في مقابلة من يمكر؛ فهو مدح؛ لأنه يقتضي أنك أنت أقوى منه. وإن كان في غير ذلك؛ فهو ذم ويسمي خيانة. ولهذا لم يصف الله نفسه به إلا على سبيل المقابلة والتقييد؛ كما قال الله تعالى: فأما قوله تعالى : الآية الثانية: في المكر ، وهي قوله : * هذه نزلت في عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ، مكر به اليهود ليقتلوه ، ولكن كان الله تعالى أعظم منهم مكراً ، رفعه الله، وألقى شبهه على أحدهم، على الذي تولى كبره وأراد أن يقتله ، فلما دخل عليه هذا الذي يريد القتل ، وإذا عيسى قد رفع ، فدخل الناس ، فقالوا: أنت عيسى ! قال : لست عيسى ! فقالوا: أنت هو! لأن الله تعالى ألقى عليه شبهه، فقتل هذا الرجل الذي كان يريد أن يقتل عيسى بن مريم؛ فكان مكره عائداً عليه، الآية الثالثة: في المكر أيضاً ، وهي قوله : هذا في قوم صالح ، كان في المدينة التي كان يدعو الناس فيها إلى الله تسعة رهط-أي: أنفار - *{ومكرا} : في الموضعين منكرة للتعظيم ؛ أي : مكروا مكراً عظيماً، ومكرنا مكراً أعظم. الآية الرابعة: في الكيد ، وهي قوله : *{إنهم}؛ أي: كفار مكة، {يكيدون} للرسول صلى الله عليه وسلم {كيداً} لا نظير له في التنفير منه ومن دعوته ، ولكن الله تعالى يكيد كيداً أعظم وأشد. * ومن كيدهم ومكرهم ما ذكره الله في سورة الأنفال : 1- {ليثبتوك} ؛ يعني: يحبسوك. 2- {يقتلوك} ؛ يعني: يعدموك. 3- {يخرجوك} ؛ يعني: يطردوك وكان رأي القتل أفضل الآراء عندهم بمشورة من إبليس ؛ لأن إبليس جاءهم بصورة شيخ نجدي ، وقال لهم: انتخبوا عشرة شبان من عشر قبائل من قريش ، وأعطوا كل واحد سيفاً ثم يعمدون إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقتلونه قتلة رجل واحد ، فيضيع دمه في القبائل ؛ فلا تستطيع بنو هاشم أن تقتل واحداً من هؤلاء الشبان وحينئذ يلجؤون إلى الدية ، فتسلمون منه . فقالوا: هذا الرأي!! وأجمعوا على ذلك. ولكنهم مكروا مكراً والله تعالى يمكر خيراً منه؛ قال الله تعالى: إذاً، صار مكر الله عز وجل أعظم من كرهم، لأنه أنجى رسوله منهم وهاجر. *قال هنا: وهكذا يكيد الله عز وجل لكل من انتصر لدينه، فإنه يكيد له ويؤيده، قال الله تعالى: وهذا من فضل الله عز وجل على المرء، أن يقيه شر خصمه على وجه الكيد والمكر على هذا الخصم الذي أراد الإيقاع به. فإن قلت: ما هو تعريف المكر والكيد والمحال؟ . فالجواب: تعريفها عند أهل العلم : التوصل بالأسباب الخفية إلى الإيقاع بالخصم ؛ يعني: أن توقع بخصمك بأسباب خفية لا يدري عنها. وهي في محلها صفة كمال يحمد عليها وفي غير محلها صفة نقص يذم عليها. ويذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بارز عمرو بن ود-والفائدة من المبارزة أنه إذا غلب أحدهما أنكسرت قلوب خصومه-فلما خرج عمرو ؛ صرخ علي : ما خرجت لأبارز رجلين. فالتفت عمرو ، فلما التفت؛ ضربه علي رضي الله عنه على رقبته حتى أطاح برأسه هذا خداع ، لكنه جائز، ويحمد عليه؛ لأنه في موضعه ؛ فإن هذا الرجل ما خرج ليكرم علي بن أبي طالب ويهنئه، ولكنه خرج ليقتله ؛ فكاد له علي بذلك. والمكر والكيد والمحال من صفات الله الفعلية التي لا يوصف بها على سبيل الإطلاق ؛ لأنها تكون مدحاً في حال ، وذماً في حال؛ فيوصف بها حين تكون مدحاً ، ولا يوصف بها إذا لم تكن مدحاً ؛ فيقال: الله خير الماكرين، خير الكائدين، أو يقال: الله ماكر بالماكرين، خادع لمن يخادعه. والاستهزاء من هذا الباب ؛ فلا يصح أن نخبر عن الله بأنه مستهزئ على الإطلاق ؛ لأن الاستهزاء نوع من اللعب ، وهو منفي عن الله ؛ قال الله تعالى : فأهل السنة والجماعة يثبتون هذه المعاني لله عز وجل على سبيل الحقيقة. لكن أهل التحريف يقولون : لا يمكن أن يوصف بها أبداً ، لكن ذكر مكر الله ومكرهم من باب المشاكلة اللفظية، والمعنى مختلف؛ مثل: ونحن نقول لهم: هذا خلاف ظاهر النص ، وخلاف إجماع السلف. وقد قلنا سابقاً: إذا قال قائل : أئت لنا بقول لأبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي يقولون فيه: إن المراد بالمكر والاستهزاء والخداع الحقيقة فنقول لهم: نعم ؛ هم قرؤوا القرآن وآمنوا به ، وكونهم لم ينقلوا هذا المعنى المتبادر إلى معنى آخر ؛ يدل على أنهم أقروا به، وأن هذا إجماع، ولهذا يكفينا أن نقول في الإجماع: لم ينقل عن واحد منهم خلاف ظاهر الكلام، وأنه فسر الرضى بالثواب ، أو الكيد بالعقوبة . . . . ونحو ذلك . وهذه الشبهة ربما يوردها علينا أحد من الناس ؛ يقولون : أنتم تقولون : هذا إجماع السلف؛ أين إجماعهم؟ نقول: عدم نقل ما يخالف ظاهرها عنهم دليل الإجماع. ما نستفيده من الناحية المسلكية في إثبات صفة المكر والكيد والمحال: المكر: يستفيد به الإنسان بالنسبة للأمر المسلكي مراقبة الله سبحانه وتعالى، وعدم التحيل على محارمه ، وما أكثر المتحيلين على المحارم فهؤلاء المتحيلون على المحارم، إذا علموا أن الله تعالى خير منهم مكراً، وأسرع منهم مكراً ؛ فإن ذلك يستلزم أن ينتهوا عن المكر . ربما يفعل الإنسان شيئاً فيما يبدوا للناس أنه جائز لا بأس به، لكنه عند الله ليس بجائز ، فيخاف ، ويحذر. وهذا له أمثلة كثيرة جداً في البيوع والأنكحة وغيرهما : مثال ذلك في البيوع: رجل جاء إلى آخر ؛ قال : أقرضني عشرة آلاف درهم . قال : لا أقرضك إلا بأثني عشر ألف وهذا رباً وحرام سيتجنبه لأنه يعرف أنه رباً صريح لكن باع عليه سلعة بأثنى عشر آلفاً مؤجلة إلى سنة بيعاً تاماً وكتبت الوثيقة بينهما، ثم إن البائع أتى إلى المشترى ، وقال: بعنية بعشرة ألاف نقداً . فقال: بعتك إياه . وكتبوا بينهما وثيقة بالبيع فظاهر هذا البيع الصحة، ولكن نقول: هذه حيلة ؛ فإن هذا لما عرف أنه لا يجوز أن يعطيه عشر ألفاً ؛ قال: أبيع السلعة عليه باثني عشر، وأشتريها نقداً بعشرة. ربما يتسمر الإنسان في هذه المعاملة لأنها أمام الناس معاملة ليس فيها شيئاً لأنها أمام الناس معاملة ليس فيها شيء لكنها عند الله تحيل على محارمه ، وقد يملي الله تعالى لهذا الظالم ، حتى إذا آخذه لم يفلته؛ يعني : يتركه ينمو ماله ويزداد وينمو بهذا الرباء لكن إذا أخذه لم يفلته ؛ وتكون هذه الأشياء خسارة عليه فيما بعد ، وماله إلى الإفلاس ، ومن الكلمات المشهورة على ألسنة الناس : من عاش في الحيلة مات فقيراً. مثال في الأنكحة: امرأة طلقها زوجها ثلاثاً ؛ فلا تحل له إلا بعد زوج، فجاء صديق له، فتزوجها بشرط أنه متى حللها -يعني: متى جامعها -طلقها ، ولما طلقها ؛ أنت بالعدة ، وتزوجها الأول ؛ فإنها ظاهراً تحل للزوج الأول، لكنها باطناً لا تحل؛ لأن هذه حيلة. فمتى علمنا أن الله أسرع مكراً ، وأن الله خير الماكرين؛ أو جب لنا ذلك أن نبتعد غاية البعد عن التحيل على محارم الله .
|